الرئيسية مقالات متنوعة لا تصغي لكل ما يقوله الآخرون

لا تصغي لكل ما يقوله الآخرون | منصة تدريب اون لاين

لا تصغي لكل ما يقوله الآخرون


2022-04-06

                                                 بقلم: الدكتور زكريا الخنجي

يروى أن أحد زعماء المافيا اكتشف أن المحاسب الذي يعمل لديه اختلس منه عشرة ملايين دولار، ومن الجدير بالذكر أن المحاسب كان أصمًا أبكمًا، فقرر الزعيم أن يواجه المحاسب بما اكتشفه، ولكن سأل نفسه، كيف يمكنه أن يتفاهم معه ؟

لذلك تواصل مع أحد الخبراء العارفين في لغة الإشارة، فقال له: أسأله أين خبأ العشرة ملايين دولار التي سرقها من عندي ؟

قام الخبير بترجمة كلام الزعيم عن طريق لغة الإشارة، فأجابه المحاسب: إنه لا يعرف عن ماذا يتحدث ؟

فترجم الخبير كلام المحاسب حرفيًا لزعيم العصابة، فغضب الزعيم، فأشهر مسدسه وألصقه بجبهة المحاسب وقال للخبير: اسأله مرة أخرى، أين خبأ المال ؟

خاف المحاسب وارتعد، فقال الخبير للمحاسب: سوف يقتلك إن لم تخبره عن مكان النقود.

فأجاب المحاسب بلغة الإشارة: إن النقود في حقيبة سوداء مدفونة خلف المستودع، في المكان الفلاني، ووصف المكان بدقة.

سأل الزعيم خبير اللغة: ماذا قال لك ؟

أجاب الخبير: إنه يقول إنك جبان ومجرد حشرة، ولا تملك الشجاعة لإطلاق النار عليه.

حينها غضب الزعيم غضبًا، فما كان منه إلا أن أطلق النار على المحاسب فقتله، وانتهى الأمر.

وبعد أن هدأت العاصفة، وخف البحث عن المال، تسلل خبير لغة الإشارة إلى المنطقة التي وصفها المحاسب المغدور به، فأخرج المال وانصرف، ولم يشاهده أحد.

تنتهي القصة عند هذا الحد، ولكن ألا ينتابنا الفضول في هذا السؤال: كم خبير لغة إشارة يعيش بيننا اليوم ؟

يمكنك أن تلقي نظرة من حولك في جميع أرجاء حياتك، هل هذه الشخصية نمامة ؟ طبعًا لا، هل هي شخصية وصولية ؟ طبعًا لا، مهما قلبت الشخصيات فمن الصعب أن تجد شخصية تشبه شخصية الخبير، فهذا الخبير مزيج بين العديد من الشخصيات، فهو وصولي لأنه أراد تحقيق هدفه بغض النظر عن هدف رئيسه أو الشخص الذي استعان به، وهو شخصية نرجسية لأنه أحب ذاته أكثر من غيره، وهو نمام لأنه نقل الكلام بطريقة خاطئة، وهكذا توجد مؤشرات شخصية واضحة عند هذا الشخص، فهو خليط سيئ من كل الشخصيات السيئة.

في العمل؛ نجدهم بأعداد كبيرة، فهم يحيطون بالمسؤول كالسوار بالمعصم، ويمنعون عنه كل شيء، حتى إنهم لو تمكنوا من منع ضوء الشمس وهبات الرياح لحاولوا ولكنهم لا يستطيعون.

ويوهمونه بحلو وعذب الكلام ويقنعوك أنهم صادقون، وقادرون على القيام بأي شيء يمكن أن يطلبه منهم، فيتملق أمام المسؤول ويسايره من أجل هدف في رأسه، فيأخذ بأطرابه بالكلام الجميل والمعسول وحتى يصل إلى السمع والطاعة، حينئذ يعتقد المسؤول اعتقادًا جازمًا أن هذا الإنسان هو الإنسان المثالي، وفي خضم هذا الكلام المعسول الذي من الممكن أن يستمر فترات طويلة من غير كلل أو ملل، نراه فجأة كالمياه المنسابة بهدوء من تحت المسؤول يطلب ما خطط له من البداية.

ومن السهل عليه جدًا أن يتحول في ولاءاته من مسؤول إلى آخر، وخاصة إن انتهت فترة عمل المسؤول الأول.

مثل هذا الإنسان هو مثل الخائن الذي يبرّر خيانته لشخص بخيانة آخر حفاظًا على موقعه وأهدافه، ونادرًا ما يشعر بوخز الضمير، هو الرجل المقنّع الذي يخفي خلف قناعه جلاّدًا ومسكينًا في آن واحد، إذ يبكي ويتمسكن حين يشعر بالتهديد ويجد نفسه في موقع المساءلة، ويصبح شرسًا وعدائيًّا عندما يشعر بالتفوّق. عدائي ينزع إلى الإطاحة بالآخر ليحفظ بقاءه أو لضمان السيطرة على الحيّز الذي يشغله، والاستيلاء على ما لدى الآخر من مركز أو مال أو علاقات اجتماعية يستغلّها لمصلحته الشخصية.

ولكن ربما من خلال عملنا وحياتنا يمكننا القول إن المشكلة لا تكمن في مثل هؤلاء البشر، وإنما المشكلة تمكن فيمن يصدقهم، وفيمن يصغي إليهم.

ففي المؤسسات أو في الحياة مثلاً لماذا نهرع إلى العمالة الأجنبية أو الخبراء الأجانب لحل مشكلة بسيطة أو لإعطاء بعض الأفكار لحل بعض الأمور ؟ ولسنا هنا نشكك في كل البشر، وإنما وجدنا أن العديد من العمالة والخبراء الأجانب يأتون وهم يعتقدون أنك لا تفهم شيئًا لذلك يبيعونك ويقدمون إليك أي شيء، وللأسف أنك تتقبل منهم أي شيء من غير أن تمحص وأن تتأكد أن ما قدم يخدم مصلحتك أو لا.

أتذكر ذات مرة، وفي دولة عربية، قامت مؤسسة ما بشراء جهاز من دولة أجنبية، وكان من ضمن الشروط أن تقوم المؤسسة المصدرة بتدريب أحد الأفراد الوطنيين على الجهاز، ولكن عندما وصل الجهاز، حاولت المؤسسة المصدرة التهرب من الموضوع من خلال بعض السهرات والضحكات، وظل الجهاز مرميًا في الممر عدة أشهر، وبعد ذلك جاءت المؤسسة المصدرة لتقبض المال، إلا أن أحد المسؤولين الغيورين رفض التوقيع على أوراق التسلم لأن شروط العقد لم تُستكمل.

هذا يعني أن هذه النوعية من الأشخاص، ليسوا فقط أفرادًا وإنما قد تكون على هيئة مؤسسات انتهازية تمتلك من الخبرات الكثيرة والتي تستخدمها للضحك على الذقون.

والمراقب للوطن العربي يجد أن هذا الوطن من السهل أن يقع ضحية لمثل هذه النوعيات من المؤسسات ومن الأفراد ومن البشر، وللأسف فإننا بكل بساطة ما زالنا نستعين بمثلهم.

فمن خلال عملنا وحياتنا وجدنا أن مؤسساتنا الوطنية كثيرًا ما ترفض أفكارنا وأفكار شبابنا وما يقدمون من مشاريع بحجة أنها أفكار لا ترتقي إلى طموحاتهم، وفي المقابل فإنهم يقبلون أي أفكار تقدم إليهم من الأفراد والمؤسسات الخارجية حتى وإن كانت تافهة، بحجة أنها أفكار ريادية، ليس ذلك فحسب وإنما يقوم بعض المسؤولين في بعض المؤسسات بترحيل أفكارنا إلى بعض الجهات الأخرى ليتقاسم معه الأرباح، وكل ذلك بهدوء وروية.

ونحن هنا لا ننكر دور الخبراء، سواء من الخارج أو من الداخل، ولكن خبير عن خبير يفرق، فبعض الخبراء يقدمون لك النصيحة الواضحة الجلية التي تضعك تحت أشعة الشمس مباشرة من غير كذب أو تدليس.

أتذكر ذات مرة أنه قدم خبير إلى مؤسسة ما، ولكن عندما وجد المسؤول أن الخبير ليس على هواه، خرج من المؤسسة وأبلغ بعض العاملين الأساسيين بالمؤسسة الخروج من العمل حتى لا يتمكن الخبير من أداء مهامه، فعرف الخبير لعبة المسؤول فبكل هدوء أخذ حقيبته وذهب إلى المسؤول الأكبر، وقال له بالحرف الواحد: "إن هذه المؤسسة بها العديد من الثقوب والعيوب، وهي فاشلة إلى أبعد الحدود، فإن كنت لا تريدوني فدعوني أرجع إلى بلادي وسوف أرفع تقريرًا إلى الجهة التي أرسلتني إليكم وأوضح فيه كل النواقص التي وجدتها لديكم، أمامك 24 ساعة، وأنتم تعلمون في أي فندق أقيم، اتصلوا بيوخرج الخبير.

مثل هذا الخبير ومثله الكثير لا يمكن أن يكونوا مثل خبير لغة الإشارة سابق الذكر الذي أخذ المال لنفسه، ولكن في المقابل فإن هناك العديد من البشر مثل خبير اللغة، لا يهمه كل ذلك، كل الذي يريده أن يأخذ المال ويغادر ويكتب في سيرته الذاتية أنني أصبحت خبيرًا في المكان الفلاني وفي البلد الفلاني.

وللأسف فإن عددًا من هؤلاء لا يقدم أفكارًا فحسب وإنما يقدم أفكارًا تدميرية، تهدم الاقتصاد والسياسة والفكر والثقافة وكل شيء.

ذات مرة كنا في بلد غير عربي، وفي فترة استراحة، ونحن نشرب القهوة، قال لي أحد المسؤولين: أنا كنت في البلد الفلاني، وذهبت كخبير، وجلست هناك حوالي 6 أشهر متواصلة، وعندما ذهبت جلست مع المسؤولين فتبين لي أنهم لا يعرفون ماذا يريدون، ولماذا استدعوني، ولا يعرفون أي شيء.

فقلت: وماذا فعلت ؟

قال: ببساطة جلست هناك، وقلت لنفسي "أعتبر نفسي في إجازة طويلة نوعًا ما، مدفوعة الأجر"، أنا في فندق خمس نجوم وكل طلباتي مستجابة وتصلني إلى غرفتي مباشرة على حساب تلك المؤسسة، وفي نهاية الفترة قدمت لهم تقريرًا مهلهلاً، لا يمكن أن يستفيدوا منه، لأنهم أصلاً لا يعرفون ماذا يريدون. ثم حولت كل النتائج التي عملت عليها خلال فترة الستة أشهر إلى دراسة ميدانية حول تلك البلاد ونشرتها في مجلة علمية محكمة، وهكذا.

العبرة هنا ليست في الاستعانة بخبير أو بشخص ما ليسهل لنا المهام، العبرة في السؤال الذهبي المهم: هل نحن نعرف ماذا نريد ؟ هل لدينا بوصلة يمكن من خلالها أن نحدد أولوياتنا ؟ أم نحن نتخبط ؟ هل نستطيع أن نفهم ماذا يقول هذا الفرد الذي جلبناه واستعنا به أم نحن نجهل كلامه ؟ هل نصدق كلامه كله أم نحّكم عقولنا فيما يقوله ؟

نحن لا نستطيع أن نجيب على هذه الأسئلة، ولكن سؤالنا المحوري، هو الهدف الطويل المدى، فمثل هذه الأسئلة يمكن أن يوجه إلى كل المسؤولين في الوطن العربي الكبير، هل لدينا بوصلة لتحديد أولويات دولنا ؟ هل نعرف إلى أين نسير ؟ أم ما زال خبير لغة الإشارة يفسر لنا الكلمات والمصطلحات ؟ وهل نحكم عقولنا فيما يقول أم نصدقه من غير تفكير ؟

في الحقيقة، لا أعرف.


تواصل معنا


245048