الرئيسية مقالات متنوعة أربعة أخلاقيات إدارية حياتية مهمة

أربعة أخلاقيات إدارية حياتية مهمة | منصة تدريب اون لاين

أربعة أخلاقيات إدارية حياتية مهمة


2022-05-10

          بقلم الدكتور /زكريا خنجي                                   

من العقلانية ومن الحكمة ومن المنطق كذلك ألا نختلف على الأصول الأخلاقية، فالأخلاق أمر عالمي تتفق عليها جميع الأفكار والأطياف، والأخلاقيات الحياتية والإدارية كثيرًا ما تتشابه، فأعمالنا وحياتنا كثيرًا ما تكون كحركة رمال الصحراء الناعمة التي تغرقنا وتنسينا أننا نعيش في خضم حياة صاخبة يمكن أن تتطاير منها الكثير من تلك الأخلاقيات التي نحتاجها، وخاصة عندما نتعامل مع من نحب سواء في العمل الإداري أو في أسرنا ومع أولادنا.

ودعونا هنا نتحدث عن أربعة أخلاقيات، تنفعنا سواء كنا في العمل، كمسؤول إداري أو موظف، وكذلك تنفعنا في حياتنا اليومية الأسرية والاجتماعية، فهي تصنف من الآداب والأخلاقيات العامة، إلا أنها في الحقيقة من الآداب والأخلاقيات المهمة التي لو أننا استطعنا أن نلتزم بها ونعيشها فإنها حتمًا ستجنبنا الكثير من المشاكل التي لا نحب الخوض فيها، وهذه الأخلاقيات هي كالتالي:

 

أولاً: ضبط لسانك؛ كنا في ندوة صغيرة ذات يوم في دول شقيقة حضرها مجموعة منتقاة من الأفراد، فاجأنا منظمو الندوة في أول يوم بأن منحوا كل شخص حوالي ربع ساعة فقط لتحضير ورقة عمل صغيرة بهدف إلقائها في زمن لا يتعدى 10 دقائق، وذلك كنوع من التجربة الجديدة في عمل الندوات والدورات التدريبية، وبعد الوقت الممنوح طُلب من كل شخص أن يتحدث عن الموضوع الذي قام بتحضيره.

لا نريد أن نتحدث عن الضغط الشديد في عملية التحضير والتفكير، وترتيب الأفكار وما إلى ذلك، فهذا أمر يمكن التحدث فيه في أماكن وفي أوقات أخرى، ولكن أثناء هذه المهلة تذكرت الحوار الجميل الذي تم ما بين معاذ بن جبل رضي الله عنه وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال معاذ: "قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ..."، فقمت في ورقتي بشرح الحديث من الجوانب المتعلقة بالإدارة والتنمية البشرية، ولست أحاول هنا شرح الحديث النبوي الشريف كله، ولكن الذي يهمني هنا في هذا المقال الموضوع المتعلق بموضوع (اضبط لسانك)، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن كلامه الرائع وكل كلامه رائع: "ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟"رواة الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

يمكن الملاحظة أن هذا الكلام خطير جدًا، فاللسان عضو مهم من أعضاء الإنسان، فمن خلاله يمكن أن تكسب الناس ومن خلاله أيضًا يمكن أن يكرهك الناس، فأنت في كثير من الأحيان تتحدث، وربما يضرب هذا الحديث الذي تقوله من غير قصد في مكان جارح للإنسان الذي أمامك، ربما يكون كلامك مجرد فكاهة، أو مزحة، أو ربما يكون كلامك تعميمًا لواقعة معينة، وربما أمور كثيرة أنت لا تدركها، فأنت لا تعلم ما المكنون في نفوس البشر، ولكنها كلمة إن خرجت من فيك فإنها لن تعود.

وفي حديث نبوي آخر، قال صلى الله عليه وسلم: "... وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"، رواة البخاري ومسلم.

فلو فعلاً تأملنا هذه الأحاديث النبوية الشريفة والعديد من الآيات القرآنية الكريمة، لوجدنا أنها تعود بنا إلى العقلانية في التحدث أمام الناس، فإن كنت مسؤولاً أو موظفًا فمن المفروض ألا تسخر من بقية الموظفين أو أن تكذب عليهم، أو تعدهم بوعود كاذبة، أو أن تنقل الكلام وتفشي الأسرار، أو تسب وتلعن، أو أن تغتاب زميلاً غائبًا، أو تخاصم لأجل الخصام، أو أن تخوض في حديث ليست لنا به حاجة، أو أن نحول المكاتب إلى مجالس للحديث والتحدث فقط ونترك العمل الذي نمنح عليه الراتب، كل هذه من آفات اللسان التي نحتاج أن نضبطها في العمل.

أما في حياتنا الأسرية والاجتماعية؛ فهناك الكثير من الأمور التي يمكن التحدث فيها، فحديثنا مع أزواجنا يجب أن يكون صادقًا وواضحًا وشفافًا، وكذلك مع أولادنا وفي كل جزئيات وثنايا حياتنا، فاستقرار حياتنا الأسرية تعتمد على صدق الكلام، وضبط اللسان، فنحن في البيت نعيش مع أعز الناس لنا وأقربهم لوجداننا وحياتنا، فهل من المنطق أن نكذب عليهم وألا نحافظ عليهم وعلى أسرارنا معهم ؟

 

ثانيًا: ترك الفضول؛ من المعروف أن الفضول جزء أساسي ومهم من حياة الإنسان، فإن لم يكن هذا السلوك موجودًا عند العديد من العلماء لما نعمت البشرية بكل هذه الاختراعات وهذه التكنولوجيا وهذه الحياة، فالفضول كما تشير الدراسات عاطفة يمكن أن تتمثل في التعطش للمعرفة، وهي القوة الدافعة الرئيسة وراء إجراء الأبحاث العلمية والدراسات الإنسانية وما شابه ذلك. والفضول نمط سلوكي لا يتمتع به الإنسان فحسب وإنما يُعد أمرًا شائعًا بالنسبة إلى كل الكائنات الحية، منها القرود والقطط والقوارض وحتى الأسماك والزواحف والحشرات وغيرها.

إلا إن الفضول المرفوض هو ما يعرف بالفضول (المرضي) وهو كنوع من الفضول الإدماني، هدفه كشف المستور وفضح الناس، فهذا الفضولي يبحث لمعرفة المعلومات عن حياة الآخرين وأسرارهم وما يحاولون أن يخفوه لسبب أو لآخر، فهذه المعلومات أيًا كانت لا يحب الآخرون الإفصاح عنها، لأنها من الممكن أن تسبب الحرج أو الضيق أو الحزن للناس.

ومن المعروف أن كشف الستر عن حياة الآخرين ربما يكون له تأثير في حياة العديد من البشر، ويمكن في بعض الأحيان أن يصل الأمر إلى إبعادهم عن وظائفهم أو حتى هدم حياتهم الشخصية، وانعدام الثقة بهم، فيصبح من الصعب عليهم بعد ذلك الانخراط في المجتمع.

فلنتصور كيف ستكون حياتنا لو كان يشاركنا في العمل مثل هذا الإنسان الفضولي، ترى كيف سنتصرف معه ؟ هل سنغلق الأدراج كلما غادرنا مكاتبنا ؟ هل يمكننا أن نتحدث معه ؟ وماذا سنقول ؟ هل سنترك هاتفنا على المكتب عندما نذهب إلى الحمام أو لشرب الشاي والقهوة ؟

وربما يكون حالنا أسوأ لو كان هذا السلوك هو السائد في المنزل.

 

ثالثًا: ضبط النفس؛ وذلك بالتحكم في الغضب، وهذا موضوع كبير، تحدثنا فيه سابقًا في العديد من المقالات، سواء في العمل أو في المنزل، ولكن نود هنا فقط أن نذكر بالحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: إن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد مرارًا، قال: "لا تغضب"؛ رواه البخاري.

فالغضب عكس ضبط النفس، فإن تحكم الغضب منا، فإنه من المستحيل أن نتحكم في التصرفات واللسان.

 

رابعًا: سلامة القلب؛ طبعًا لا نقصد تلك المضغة اللحمية الموجودة في جوف الإنسان، وإنما يقصد بذلك السرائر والنوايا والحب ونقاوة القلب من كل تلك المكنونات السوداء التي تعتمر القلب، فتؤدي إلى النوايا السيئة وتفسير الحديث والإيماءات التي قد تكون ذات نوايا حسنة إلى نوايا سيئة وتشاؤم وما إلى ذلك.

فيمكن أن تشاهد بعض زملاء العمل يضحكون أثناء تناول القهوة، فتعتقد أنهم يضحكون عليك، وربما يسير أمامك أحد الزملاء وهو سارح في مشكلة شخصية تعتقد أنه لم يلق عليك التحية لأنه يستصغرك، وما إلى ذلك من أمور وتصرفات ربما تكون تافهة، إلا أنها ربما تنعكس عليك وبالتالي تتصرف مع الأشخاص نفس تلك السلوكيات غير المقبولة، من مبدأ العين بالعين.

وهذا يذكرنا بالحديث النبوي الشريف، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، رواة البخاري ومسلم.

هذا الحديث العظيم، وكل الأحاديث النبوية عظيمة، تحدد أمورًا كثيرة يمكن لكل واحدة أن تُعد من الأخلاقيات المهمة إن كنا بالفعل نبحث عن الأخلاقيات الراقية التي يجب أن نعيشها في مجتمعاتنا ومؤسساتنا، منها: كلنا سواء، فنحن أخوة وإن لم يربطنا الدم والنسب، ولكننا أخوة، ومن المفترض أن الأخ يحب أخاه وإن اختلفوا في بعض الأمور، ليس ذلك فحسب وإنما لا ولن يرضى عليه أي مكروه، ومن جانب آخر فلا يحسده مثلاً لأنه في درجة إدارية أعلى منه، ولا يكرهه لأنه مجتهد في عمله، ولا يكذب عليه، ولا يخونه، ولا يغتابه، ولا ينقل الحديث عنه للمسؤول أنه فاشل أو أنه لا يصلح لأداء الأعمال، كل هذا يؤدي إلى صون اللسان وترك الفضول فلا يتتبع عورات أخيه، ومن الطبيعي ألا يغضب عليه ويهجره ويفعل به الأفاعيل.

وكذلك في المنزل، فالتعاون الأسري بين الزوجين يجب أن ينبع من هذا المنبع، فلا يمكن أن يكره المرء شريك حياته لمجرد خطأ عابر أو حتى لحظة غضب، فسلامة النفوس والسرائر هي الدفة الأولى التي تسّير بها حياة الأسرة، فمن غير سلامة القلب، فإن الحياة كلها ستنهار.

فحياتنا البشرية كما يقال هي بين منطوق لم يقصد ومقصود لم ينطق، فعندما تختلط هذه الأمور تضيع الكثير من معالم المحبة، ففكروا في حروف المفردات التي تسمعونها من الناس الذين يحيطون بكم، وأحسنوا الظن بهم، عندئذ حتمًا ستتغير حياتنا إلى الأفضل.

 

هذه أخلاقيات أربعة، يمكن أن نحفظها أو أن نكتبها على ورقة كبيرة ونعلقها على الحائط أمامنا، لأنها يمكن أن تحفظ حياتنا في المؤسسة العائلية أو المؤسسة المهنية من الانهيار.                               


تواصل معنا


094255