الرئيسية مقالات متنوعة الإدارة ليست منصبًا وإنما أسلوب تفكير

الإدارة ليست منصبًا وإنما أسلوب تفكير | منصة تدريب اون لاين

الإدارة ليست منصبًا وإنما أسلوب تفكير


2022-04-25

                                        بقلم: الدكتور زكريا الخنجي

 

ما أن يصدر قرار بتعين فلان مسؤولاً لدائرة أو مؤسسة، فإنه يتحول من إنسان موظف عادي وبسيط إلى إنسان آخر، إلى إنسان يفهم كل شيء، ويمكنه أن يتحدث في كل شيء، ويمكنه كذلك أن يتخذ كل القرارات بصورة أو بأخرى، ليس ذلك فحسب وإنما يجد أنه من حقه أن يغضب على هذا ويزمجر على هذا، ويصنف الناس إلى إنسان لا يفهم وإنسان لا يفهم، لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يفهم كل شيء.

هذا الشخص بكل بساطة يعتقد أنه بمجرد جلوسه على كرسي المسؤول فإن كل القدرات والمهارات والمعلومات الإدارية التي كانت موجودة في الكرسي سوف تتسرب إليه فيتشبع بها، فهو بذلك يمكنه أن يدير كل شيء وكل إنسان، وهذا يحدث كثيرًا ولقد وجدناه كثيرًا في العديد من الدول العربية والأجنبية على حد سواء، ولكن في الحقيقة فإن هذا الشخص لا يمكنه أن يستمر كمسؤول إداري قائد فهو مجرد كرسي ولوائح وأنظمة فقط، فهو في الحقيقة بعيد كل البُعد عن الجوانب الإدارية والقيادية التي يجب أن يتحلى بها، لذلك فإنه لا يستطيع أن يستمر، وإن استمر فإنه سيتحول إلى مسؤول إداري نمطي وربما ديكتاتور.

ونحن في الألفية الثالثة من التاريخ فإن نمطية صورة المسؤول اختلفت كثيرًا، فقد كان المسؤول الإداري سابقًا هو المسؤول الأول والأخير عن المؤسسة أو الإدارة التي يشرف عليها، إلا أن هذه العقلية لم تعد مقبولة في هذا العصر، فنحن اليوم أمام موظف ربما يمكنه أن يعرف أكثر من المسؤول بل ويمكنه أن يتخذ القرار الأنسب لأي معضلة أو مشكلة إن استخدم واحدة من أنماط التفكير الإبداعي الابتكاري.

الموظف اليوم يستطيع أن يناقش ويفكر، ويطرح أفكاره بكل سهولة ويسر، وإن استشكلت عليه بعض الأمور فيمكنه أن يدخل الشبكة العنكبوتية ليجدها في ثوان، بل ويمكنه أن يبدع ويبتكر الكثير من الأمور التي قد لا يستطيع المسؤول الوصول إليها.

كل هذه الأمور تحدث أمام أعيننا، نشاهدها ونستغرب من هذه الأوضاع، ولكن هذه الأوضاع عادة ما تكون غير مريحة للمسؤول النمطي الذي لا يفكر إلا بالكرسي واللوائح والانضباط الوظيفي، والتوقيع الصباحي، والحضور والانصراف.

ويجب ألا يُفهم من طرحنا إننا لا نريده أن يفكر باللوائح والانضباط الوظيفي وما إلى ذلك، ولكن هذا جزء من مهامه إلا أن الجزء الأهم من كل ذلك هو تحقيق الاستقرار في تلك البيئة التي يقوم بإدارتها حتى تتمكن تلك المؤسسة من تقديم أفضل إنجازاتها وأكبرها للعملاء الذين يجب أن يكسبوا رضاهم، فالمؤسسات ما وُجدت إلا من أجل خدمة العملاء وكسب رضاهم والعمل من أجلهم، سواء كانت تلك المؤسسات من القطاع العام أو الخاص. فقد وجدنا أنه في القطاع العام وللأسف أن الكثير من الأفراد يتحول إلى إداري بحت نمطي بمجرد صدور القرار بتعيينه مسؤولاً، لدرجة أنه لا يرد على الهاتف حتى وإن كان إلى جانبه وبالقرب منه، فإنه يدعو السكرتير للرد على التلفون خوفًا من أن يكون المتصل واحدًا من المواطنين الذي يحتاجون إلى مساعدة، وهذا يحصل كثيرًا، اليوم وغدًا ودائمًا، ولقد سمعتُ العديد من التجارب في ذلك، ويكون جواب السكرتير دائمًا: "المسؤول مشغول، يمكنك أن تقول لي حاجتك لنوصلها إلى المسؤول مع رقم تلفونك وسوف يرد عليك"، وتقول كل ما يجول في نفسك، وأنت لا تدري هل يقوم السكرتير بتسجيل ما تقول أم لا يسجل، وبعد ذلك تنتهي المكالمة وتنتظر أن يرد عليك أحد من طرف المسؤول أو المؤسسة، وتنتظر وتمضي أسابيع وأنت تنتظر، ولا جواب وكأنك كنت تتحدث في الهواء، ثم تعاود الاتصال ويتم إجراء نفس المكالمة وبنفس التفاصيل، وتنتظر، ولا جواب.

لذلك فإن هذا النوع من المسؤولين سلطته تكمن في منصبه وكرسيه فقط، بعكس المسؤول الإداري الذي تكمن سلطته في شخصيته ونمطية تفكيره وعقله.

ونحن لا نتحدث هنا من فراغ، سواء كنا نتحدث عن التعامل مع الموظف أو العميل الخارجي، وإنما هذه حقائق، ولا نريد أن نحول القضية إلى قضية عاطفية ووجدانية بعيدًا عن العقل والمنطق، فقد سمعنا العديد من المسؤولين الذين يقولون وبالحرف الواحد "أنا أعمل من خلال منهجية الأبواب المغلقة"، طيب يا سيدي إن كنت تعمل بهذا المنطق فكيف تخدم الجمهور والموظفين ؟ لماذا أنت مسؤول إذن ؟ لذلك من الأفضل أن تجلس في بيتك وتخدم نفسك، فأنت لا تستحق إلا هذا.

قال لي صاحب صديقي؛ ذات مرة طرق باب مكتبي شخص كبير في السن، في الحقيقة لا أعرفه، ويبدو عليه الإعياء، فرحبت به وأجلسته، وطلبت له الماء والشاي، وأثناء ذلك قال حديثًا مؤلمًا، كل ذلك لأنه كان صاحب حاجة وموضوع وطلب يريد إنهاءه وكان يريد مقابلة المسؤول الأكبر في المؤسسة التي نعمل فيها ليشرح له الموضوع، ولكن المسؤول كان من ذلك النوع من المسؤولين الذين يعتبرون الإدارة منصبًا وكرسيًا ومشلحًا فقط، وفي نهاية كلامه قال وبكل بساطة "سوف أذهب إلى فلان وأقدم فيه شكوى"، فما كان مني إلا أن طلبت منه التريث حتى أتصرف أنا في الموضوع. يواصل صاحب صاحبي ويقول: وبالفعل ما هي إلا أيام قليلة انتهت معاناة ذلك الرجل. ولذلك بقيت أتساءل إن كان الموضوع يمكن أن يُحل خلال بضعة أيام فلماذا إذن كل هذا التعطيل ؟

ولهؤلاء نقول ما قاله الراحل الدكتور غازي القصيبي "ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية، فاجعل هذا الإدراك مبكرًا"، ونحن يمكننا أن نعدل هذا الكلام نوعًا ما بأن نقول ستدرك بعد فترة من عمرك إن كل هذه المناصب التي تفتخر بها اليوم وكل الذي تتمتع به اليوم مجرد بهرجة سوف تخسرها يوم خروجك من المنصب، مهما كان منصبك. لذلك قبل أن تترك منصبك لمن سوف يأتي من بعدك حاول أن تفكر في شخصين، وهما: زميل العمل، وصاحب المصلحة الذي يقصدك لأنه محتاج إلى مساعدتك، وهو العميل، والذي يهمني هنا اليوم هو هذا العميل، فيا ترى كيف يمكننا أن نتعامل معه ؟

إليك النقاط العشر، وهي كالتالي:

  1. ضع نفسك مكان هذا العميل وطالب الخدمة؛ ثم اذهب إلى مؤسسة لا يعرفك بها أحد وأطلب خدمة ما، فما المعاملة التي تريد أن تُقدم لك، وبأي طريقة تريد أن يعاملك الناس هناك ؟ الآن قارن معاملتك لهذا العميل وطريقة الخدمة التي تقدمها مع ما تم التعامل معك فيه، فهل أنت راض ؟
  2. لا تقلل من شأن طلبات العملاء حتى وإن كانت بسيطة أو ساذجة، فبالنسبة إليه فإن هذا الطلب مهم لذلك ما جاء إليك إلا بشعوره بأهميتك وأهمية طلبه.
  3. عندما تتحدث مع العميل بالهاتف أو مباشرة، لا تنهي مقابلتك معه إلا بقول "هل ترغب في خدمة أخرى ؟"، فإن هذه الكلمات على الرغم من بساطتها سوف تترك أثرًا إيجابيًا في نفسه، ولا تغلق الخط إلا بعد أن يغلق هو الخط، أو يتركك ويذهب.
  4. أحفظ كرامة العميل، وذلك بأن تبسط له الإجراءات بقدر ما تسمح به اللوائح والأنظمة، فلا تعقد الأمور، وإن كانت معقدة فبسطها، فما وُضعت أنت في هذا المنصب إلا لخدمة هؤلاء.
  5. قد تكون رؤيتك لطلب العميل والخدمة التي يرغب فيها تختلف تمامًا عن وجهة نظر العميل، فهو يراها قضية كبيرة ومصيرية، وربما تجدها بسيطة وتافهة، فلا تسخر ولا تستهزأ وإنما خذ الأمور بجدية وموضوعية وانهِ معاملته.
  6. أتقن فن الإصغاء، فالكثير من العملاء لا يريدون منك إلا أن تصغي إليهم، وهذه ربما تنهي معاناتهم في أروقة المؤسسة.
  7. لا تكذب على العميل بشأن معاملته، فإن كنت تستطيع إنجازها فأنجزها، وإن لم تكن تقدر فقل ذلك بكل وضوح ولكن مع تقديم الحلول أو الوسائل الناجعة التي يمكنه أن يسلكها حتى تنجز معاملته.
  8. نحن نؤمن أن سيد القوم خادمهم، لذلك وأنت في هذا الموقع قدم كل ما يمكنك من خدمات، واعلم أن هذا لا يقلل من قيمتك ولا من شأنك، فقيمتك ليس بحجم الكرسي الذي تجلس عليه وإنما قيمتك في ذاتك الحقيقية العالية التي تستمدها من حب الناس وخدمتهم.
  9. أعود إلى المرحوم الدكتور غازي القصيبي الذي قال "لا أذكر ليلة واحدة نمت فيها وعلى مكتبي ورقة تحتاج إلى توقيع، مصالح الناس ستتعطل لأيام بينما التوقيع يستغرق ثانية واحدة"، نعم فهذه حقيقة فيمكنك أن تؤجل مصلحة من المصالح وهذا أمر لا يهمك ولكن هذا أمر يهم صاحب المصلحة ربما ترتبط برزقه ورزق أولاده وأنت لا تعرف.
  10. تأكد دائمًا وأبدًا أنك مراقب، ولا أقصد من مسؤولك الذي هو أعلى منك، ولكنك مراقب من رب العالمين، فربما دعوة من مظلوم اخترقت أبواب السماء فبلغت مسامعه سبحانه وتعالى، عندئذ يقول تعالى: "سأنصرك ولو بعد حين"، تصور نفسك أنك أنت الذي سيؤخذ منك الحق لأجل مظلوم تألم ثانية واحدة، فهل هذا أمر يستحق ؟

هذه بعض النقاط التي نجد أنه يجب أن يستوعبها كل مسؤول يفكر أن المنصب ما خُلق إلا له، وإنما في الحقيقة فإن المنصب أسلوب ونمطية تفكير، والموضوع لم ينتهِ عند هذا الحد، ولنا لقاءات أخرى.


تواصل معنا


004003